شُكْرًا أَيُّهَا الشَيْطَانُ

سألني أحد المعلمين في صغري: “هل ترى كيف يلتزم النصارى الكفار بصلواتهم؟”، ثم أجاب معللا: “هذا لأن الشيطان لا يأتيهم ويلهيهم عنها، فهي باطل يحبه الشيطان”.
كبرتُ، ورأيت مسيحيين ارتدوا، ورأيت نفورا من مسيحيين عرفتهم عن الصلوات وقراءة الكتاب المقدس وحضور القداسات… كما رأيت تدينا خاوي، ورأيت مسيحيا بحكم الوراثة فقط، لا يعرف شيئا من الأحكام ولا يتمتع بأقل درجات حسن الخلق.
وها أنذا، ابن الاثنين وعشرين ربيعا؛ بعد أكثر من عشر سنين، أسمع ذات الكلمة من خطيب جمعة، يبدو أنه لا يشاهد التلفاز ولم يسمع يوما عن الأفلام ولم يجرب الإنترنت أبدا… فتساءلت عن ذات الحقيقة بخصوص الأديان الأخرى، وعجبا وجدت؛ تذكرت البوذيين والشنتويين الذين رأيتهم في الأنمي (الوسيلة الأكثر تعبيرا عن المجتمع الياباني)… منهم من له ذات الحال؛ قليل الالتزام، ومكروه لضعف التزامه، وسيء الأخلاق.

في كل دين معمول به منظومة أخلاقية قد تكون مرتبطة بالعبادات، والإسلام على وجه الخصوص تتمحور كل العبادات فيه حول الأخلاق، فمن يُسقط منها شيء يسقط معها الخُلُق المرتبط به، حاله كحال من يؤدي العبادة على صورتها دون روحها.

لشيطان يستهدف من كل شخص ما يؤثر على أخلاقه، سواء كان ينتمي لمنظومة دينية أو يدين بدينه الخاص ولو دون إله يعبد… غاية الشيطان أن يفسد بين الخلق، يريد أن يثبت لله أن الإنسان مثله في الشر، وأن خلق الله للإنسان عبث. فالله لما أراد أن يخلق الناس قالت الملائكة -التي عايشت شر الشياطين- تعجبا من خلق كائن آخر يملك الإرادة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}؟!.
قال الشيطان عن الإنسان محتقرا: {أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ! لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}… سأسوقهم إلى طريقي كما تساق البغل!.

الكلام في الآيات عن بني آدم عموما؛ الشيطان فقط يسعى لإثبات أنه أكرم وأعظم من “هذه المخلوقات الهمجية التي تسمى بشرا”…

غاية أي دين شُرِع هي الأخلاق؛ أن تسمح للناس بالتعايش مع بعضهم ومع الكائنات الأخرى، وقد تُحقق هذا عبر تكوين علاقة بكائن لاهوتي أعلى هو الخير كله، لتحقيق سلامة علاقة العبد بنفسه، فيتعامل مع غيره بمثالية لأنه صافٍ الروح من الداخل، لا لأن الناس ستستغني عنه إن لم يتعامل بإحسان. وقد قيل؛ إن الله لم يرسل الرسل أو يعاقب إلا أمة ساءت أخلاقها.

فشكرا أيها الشيطان!
بفضل غبائك وإصرارك على إثبات ما تظن عن نفسك أمكن إدراك كل هذا. وبفضل دأبك الحثيث لإثبات سمو جنسك ثبت العكس… يقولون إن الحسود دائما خاسر.

“قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فلانةً تُكثِرُ من صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بلسانِها. فقال: هي في النَّارِ!” [صحيح].
“مَن لَم يدَع قَولَ الزُّورِ والعمَلَ بِه والجَهلَ، فليسَ للَّهِ حاجَةٌ أن يدَعَ طعامَه وشرابَهُ!” [صحيح] إذ لم يفهم الغاية من الصيام.

المنظومة الدينية ضرورة لا بد منها للتعايش. في النهاية، لا أحد يملك أي دليل على أن إلهه الذي يعبده هو الحق الوحيد. إلا أن الغاية من أي دين، هي السماح للخلق بالعيش معا بناء على مدى قدرة الآخر على التعايش!.
إلتزام الناس بحزمة معينة من الأخلاقيات يمكنك من محاسبتهم، ولهذا فالإلحاد أو اللادينية تتطلب التزاما قانونيا ونظام محاسبة مفروض على الكل، والتدين وفر عناء هذا.

إن كان في دينك طقوسا روحية ما، فاستكشف خباياها، وحاول أن تعرف “لِمَ يعتقد إلهك أن هذه العبادة تجعلك أفضل؟”… فقط تسائل عن ما جعلتَه عادة مملة وإلتزام متعنت ومرهق وغير منطقي.
“التدين” و “الإلتزام” كلمة أصبحت تعني الالتزام الصوري بشرائع الدين، في حين يفترض أن تعني الإحسان العملي والإنساني.

التزامك الحقيقي كفيل بأن يجعلك روحا صافية تمشي على الأرض، كماء منساب من فِيِّ سقاء.
{عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}..

تسلمولي شكرا على المرور الجميل
نورررتو